أطلق مركز أبوظبي للغة العربية، التابع لدائرة الثقافة والسياحة-أبوظبي، برنامج المنح البحثية في مجال اللغة العربية الذي يعدّ الأول من نوعه، ويأتي انطلاقاً من الاستراتيجية الثقافية لإمارة أبوظبي، التي تدعم الركائز الأساسية والبنية التحتية للقطاع الثقافي في الإمارة، وتعمل على تعزيز جهود البحث العلمي النوعي في مختلف مجالات الثقافة والفكر، وتشجيع دراسة التراث العربي وتأصيله واستكشاف طاقاته باعتبارها أساساً قويّاً للانفتاح على ثقافات العالم وحضاراته؛ وانسجاماً مع الدور الريادي لدائرة الثقافة والسياحة الهادف إلى جعل إمارة أبوظبي منارة للفكر والثقافة والإبداع. ويهدف هذا البرنامج، الذي يقع في صلب الخطة الاستراتيجية للمركز، إلى دعم الباحثين من أجل إنجاز بحوث متميزة ترتقي باللغة العربية، وتعزز حضورها داخل العالم العربي وعلى الساحة الدولية.
وأشار سعادة سعود عبد العزيز الحوسني - وكيل دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي إن مركز أبوظبي للغة العربية الذي أنشئ بقانون من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والذي يحظى بدعم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يمضي قُدُماً في أداء الدور المهم الذي أسندته إليه قيادتنا الحكيمة، والمتمثل في خدمة اللغة العربية وتعزيز حضورها علمياً وثقافياً واجتماعياً بوصفها مكوناً رئيسياً من مكونات الهوية الوطنية، وركيزة للنهوض الحضاري. وأشار معاليه إلى أن رسالة المركز في هذا المجال لا تقتصر على إمارة أبوظبي ومجتمع الإمارات فحسب، بل تشمل جميع أنحاء العالم العربي، كما تتطلع إلى تعزيز حضور اللغة العربية في المحافل الدولية.
ومن بين مجموعة كبيرة من البحوث التي ترشّحت لنيل منح البرنامج من مختلف الدول العربية، اختار مركز أبوظبي للغة العربية هذا العام ستة أبحاث ليقدّم لأصحابها الدعم من أجل إنجازها على أكمل وجه، إيماناً منه بأن توفير الظروف الملائمة للبحث العلمي هو خير وسيلة لمساعدة المفكرين والباحثين والمبدعين على تقديم كل ما هو متميز وجدير بالنشر.
ومن جانبه، أكد سعادة الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، أن المركز يعمل منذ إنشائه على تنفيذ الخطة الاستراتيجية التي اعتمدها سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان عضو المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، رئيس مكتب أبوظبي التنفيذي، والتي تتضمن مجموعة متميزة من البرامج والمبادرات التي تُعلي من شأن اللغة العربية، وتسعى إلى تجديد مكانتها وعاء للعلوم والمعارف، وأداة لنقل الحضارة إلى مختلف شعوب العالم.
وأضاف سعادته أن برنامج المنح البحثية الذي سيكون دورياً كلّ سنة هو واحد من البرامج التي يفخر مركز أبوظبي للغة العربية بإطلاقها في العام الأول من إنشائه. وتوجّه بالشكر إلى معالي محمد خليفة المبارك رئيس دائرة الثقافة والسياحة-أبوظبي الذي يحرص على تقديم الدعم اللازم لتنفيذ خطة المركز وبرامجه ومبادراته.
وتوزّعت الأبحاث التي وقع عليها الاختيار على مختلف حقول اللغة العربية. ففي مجال دعم تحقيق المخطوطات والتراث العربي اختار المركز مشروعين بحثيين، أولهما تحقيق كتاب مجمع الأمثال للميداني، الذي سيظهر في أربعة مجلدات وبحلة جديدة تليق به وبمضمونه، ويعتمد على نسخ من المخطوط لم تعد إليها الطبعات السابقة من الكتاب، وهو تحقيق موسّع قراءة وشرحاً وتوثيقاً وضبطاً، فضلاً عن فهارس كثيرة تعين على قراءة الكتاب. أما ثانيهما فهو واحدٌ من نفائس الكتب الأدبيّة الأندلسية، وهو "عرائس الأدب" لابن سعيد، والذي لم يرد له ذكر في المصادر التي ترجمت لابن سعيد، وله منهج خاصّ، ويتضمن ترجمة ذاتية واسعة لمؤلّفه، ويشتمل على قصائد ومقطّعات شعريّة كثيرة ورد بعضها في مصادر أخرى ويعدّ معزّزاً لها، وبعضها لم يرد في أيّ مصدر آخر. وفيه نقولٌ عن مصادر أدبيّة مهمّة تعدّ في حكم المفقودة، كما أن له قيمة نقدية جليّة لا تظهر في أي من مؤلفات ابن سعيد الأخرى إلاّ عَرَضاً، ويشتمل على (139) ترجمة للشعراء الأندلسيين.
وفي مجال البحوث والدراسات، اختار المركز أربعة أبحاث، أولها "العربية وفلسفة الجمال.. قراءة جمالية في لسان العرب، مع معجم للألفاظ الجمالية في اللسان"، وتنبع أهمية هذا البحث من أن الثقافة الجمالية التي تزخر بها المعاجم العربية القديمة تتميز بالغنى والتنوّع والاتساع، بسبب الشرح المعجمي المطوّل غالباً، ما يسمح للباحثين في علم الجمال بالوقوف عندها بالدرس والتصنيف والتحليل، وصولاً إلى تحديد الخصائص الجمالية القارّة في اللغة العربية من جهة، وفي الثقافة العربية من جهة أخرى. إضافة إلى أنّ نسبة كبيرة من الموادّ اللغوية بدلالاتها الجمالية، في العربية الفصحى، ذات حضور قويّ ولافت للنظر في العربية المعاصرة، وفي اللهجات العربية العامية على السواء؛ ما يجعل البحث الجمالي في المعجم القديم بحثاً جمالياً في اللغة العربية المعاصرة أيضاً. وإلى جانب الدراسة والتحليل يتضمن البحث معجماً خاصاً بألفاظ الجمال في معجم "لسان العرب" لابن منظور، وهو من أهمّ المعاجم العربية القديمة وأوسعها.
أما ثاني المشروعات البحثية في مجال الدراسات فهو بعنوان "استكشاف المبادئ المؤسسة لتحليل الخطاب في المنجز اللغوي العربي"، ويحاول هذا البحث استكشاف أعماق المنجز اللغويّ العربيّ، ولاسيما ما ارتبط منه بالممارسة النصية، ابتغاء توثيق إسهامات لغَوِيّي العربية في مجال "تحليل الخطاب"، وتحليل النصوص، والتأصيل-بموضوعية- لما يسمى "لسانيات الخطاب". وتحاول الدراسة استظهار دور لغويي العرب المتقدمين في تأسيس مبادئ تعد في اللسانيات الحديثة وعلم النص والخطاب أهم الأسس التي بنيت عليها لسانيات الخطاب.
وجاء المشروع البحثي الثالث بعنوان "أثر اللغة العربية في غيرها من اللغات وتأثرها بها"، وهو مشروع يهدف إلى بيان دور اللغة العربية العالمي في تأثيرها في غيرها من اللغات القديمة والحديثة وتأثرها بها، وللكشف عن العوامل الجغرافية والتاريخية والحضارية والاقتصادية والسياسية التي جعلت العربية لغة قوية ذات دور عالمي قوي في تأثيرها في اللغات الأخرى وتأثرها بها.
أما المشروع الرابع والأخير في مجال الدراسات فهو بعنوان "في عولمة النظرية النقدية"، وهو بحث ينقسم إلى جزأين، ينصرف الجزء الأول منهما إلى دراسة أنموذج قديم جداً من العولمة النقدية محوره کتاب "فن الشعر" لأرسطو، في حين يتبع الثاني منهما أنموذجاً حديثاً يدور حول البنيوية وما تلاها من اتجاهات انضوت جميعها تحت لافتة "ما بعد البنيوية".
يشار إلى أن مركز أبوظبي للغة العربية سينشر هذه البحوث بعد اعتمادها من اللجان المختصة ضمن سلسلة خاصة من إصداراته، لتكون في متناول القراء جميعاً، وتسهم في رفد المكتبة العربية، وتلك أيضاً واحدة من المهام التي يحرص المركز على النهوض بها في إطار الدور المنوط به.